الملائكة هم المدبرون للكون والحكمة من ذلك
ثم يقول رحمه الله: [فكل حركة في العالم، فهي ناشئة عن الملائكة، كما قال تعالى: ((فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا))[النازعات:5].. ((فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا))[الذاريات:4]، وهم الملائكة عند أهل الإيمان وأتباع الرسل].
وقد جاء ذلك عن علي رضي الله عنه، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح (8/599)، وقد رواه ابن عيينة رحمه الله تعالى في تفسيره، ورواه غيره، وقد ذكر الطبري رحمه الله أسانيد كثيرة في إثبات هذا القول عن علي رضي الله تعالى عنه، وجاء عن مجاهد عن ابن عباس وهذا مما لا يكاد يخالف فيه، وهو أن (المدبرات أمراً) هم الملائكة، وكذلك المقسمات أمراً.
وقد استدل المصنف رحمه الله بقوله تعالى: ((فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا))[النازعات:5] على أن كل حركة في العالم فهي ناشئـة عن الملائكة، مع أن الله تعالى يقول: ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))[يس:82]، وقوله: ((إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))[النحل:40]؛ فالله تعالى يخلق ويدبر بقوله: (كُنْ)، فما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى يجعل ملائكة موكلين بالجبال، وملائكة بالمطر والسحاب، وملائكة ببني آدم... إلى آخر ما سيأتي تفصيله إن شاء الله؟
هناك حكم عظيمة، منها: أن الله عز وجل يبتلي عباده بالإيمان بالغيب، فإن الناس يرون السحاب يسقي أرضاً ويترك أخرى، ويرون كل المخلوقات وهي تسير بتدبير عجيب، فإذا تأملوا في ذلك، وعلموا أن الله سبحانه وتعالى جعل لها هؤلاء العباد المكرمين، يدبرونها ويسيرونها، فقد آمنوا بالغيب، وهذا هو الفرق بين المؤمن والكافر، فإن الكافر عندما يرى هذه الظواهر يقول: هذا شيء طبيعي، فإن الشمس عندما سطعت على البحر تبخر، ثم ذهب البخار إلى أماكن معينة، وحصل بعد ذلك انخفاض وارتفاع جوي، ثم تكوَّن السحاب، والتقى بمناطق باردة... فنزل المطر، فيجعلونه ظاهرة طبيعية فقط، وقد تكون تفاصيلها صحيحة، ونحن لا نعترض على صحة هذه التفاصيل، لكنهم ينسون ويُغفِلون ما لا يرون: ((يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ))[الروم:7].
فالله تعالى يمتحن المؤمنين بالإيمان بالغيب، وأيضاً فإن الله سبحانه وتعالى له أمور يدبرها ويخلقها وينشئها بقوله: (كُنْ)، وله أمور ينشـئها ويدبرها بواسطة الملائكة، ولا أحد يعترض على الله سبحانه وتعالى، والأصل أنه لا يسـأل عما يفعل وهم يسألون.
وقد عبد بعض الناس الملائكة؛ قالوا: لأنهم بنات الله -تعالى الله عما يقولون- وبعضهم يقول: لأنها هي التي تدبر الأمر، فقد أخذوا من كلام الرسل أن الملائكة تدبر أمور الكون، فقالوا: نعبدها لتقربنا إلى من خلقها وأمرها بالتدبير؛ لتكون شفعاء وواسطة لنا عند الله؛ لأنها مقربة من الله سبحانه وتعالى، فنحن ندعوها ونرجوها ونخافها لكي تتوسط لنا عند الله، فمن هنا دخلت الشبهة على المشركين فعبدوهم، وهذا من الباطل؛ لأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، وجعل له إرادة وقدرة، وجعل له أعمالاً، وخلق الملائكة وجعل لهم أعمالاً، وإن كانت الطبيعة تختلف، فلا يصح أن يعبد شيء لمجرد أنه من جند الله، فالشمس التي تشرق وتعم الناس بالضياء، ويحصل لهم خير كثير بشروقها، والسحاب الذي يمطر ويحصل به الخير العظيم، لا يصح أن تعبد لأنه قد حصل منها خير للناس، فإنما هي من جند الله وخلقه سبحانه وتعالى، فلا شبهة ولا حجة لمن يعبد الملائكة أو غيرهم من دون الله سبحانه وتعالى، بل عليه أن يعبد الله الذي خلقهم : ((وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ))[فصلت:37]، فهو الذي خلق الملائكة والسحاب، وخلق الأنبياء والصالحين واصطفاهم.